النظرية النفس – اجتماعية (اريكسون )
مقدمة حول النظريات التي تركز على التفاعل
بين الشخص والبيئة
سلطت النظريات التي عرضت في الجزء الاول من الكتاب الضوء
على الانماط او اتجاهات النمو التي تتكشف ضمن سياق التكيف مع بيئات مختلفة. وسلطت
النظريات التي عرضت في الجزء الثاني من الكتاب الضوء على تأثير مختلف البيئات على
تشكيل التفكير والاجراء. وتنظر النظريات التي تغطى في هذا الجزء الاخير الى النمو
كمنتج للتفاعل المستمر بين الشخص والبيئة. وعلاوة على ذلك، فان التمييز بين الشخص
والبيئة يكون اقل وضوحا في هذه النظريات. وهناك عدد قليل من الامثلة التي يمكن ان
تساعد في توضيح وجهة النظر هذه. وعندما يبدأ الطفل بالتأتأة واصدار اصوات
المناغاة، فان هذه الاصوات تصبح جزءا من البيئة السمعية للطفل. وبناء على ذلك، فان
الطفل ينتج بيئته.
وفي مراحل لاحقة من النمو، فان الاشخاص يضعون او يحددون
خيارات تتعلق بالالعاب، والاصدقاء، والكتب التي يقرأون، واماكن عيشهم، والنشاطات
وبما يعكس مزاج الشخص، ومهاراته، واهتماماته، واحتياجاته. وضمن هذا السياق، فان
بيئة الشخص – وبشكل جزئي – تمثل تعبيرا عن الشخص.
ومن الناحية الاخرى، فان البيئة تدمج في الشخص وتوجه
اجراءاته. ومثال ذلك، ان الطفل الرضيع سوف يستخدم نمطا مختلف للمشي على سطح منبسط،
او على الدرجات. كما ان نوع النمط الحركي الذي نلاحظه لدى هذه الطفل يتضمن تكيف
الطفل مع البيئة.
ويكون الاجراء محددا بالسياق. واضافة الى ذلك، فان
السلوكيات التي قد نلاحظها عندما تلتقي شخصا للمرة الاولى لا تكون نفس السلوكيات
التي يمكن ملاحظتها اذا كان الشخص يعرفك بشكل جيد. ويقوم الشخص بتعديل سلوكياته
للتكيف مع السياق. وان المعرفة بالبيئة والخبرات السابقة في مواقف مشابهة تؤثر على
توقعات الشخص واجراءاته اللاحقة.
ان هذه الامثلة توضح المؤثرات التوجيهية للشخص والبيئة،
وتقترح الحاجة الى طرق جديدة للتفكير بشأن تفاعل الشخص والبيئة حيث ان هذين
العاملين يسهمان في النمو.
وتتمثل النظريات الثلاث التي توضح وجهة النظر هذه في:
-
النظرية النفس – اجتماعية
-
النظرية المعرفية الاجتماعية التاريخية
-
نظرية الانظمة الديناميكية.
وتوفر كل من هذه النظريات وسيلة للتفكير بشأن التفاعل
المستمر للفرد وبيئته طوال الوقت. كما تركز النظرية النفس- اجتماعية على تطور
الشخصية، فهم الذات، والنظرة العالمية التي توجه معرفة الشخص نحو الذات والآخرين
طوال مسار الحياة.
وتركز النظرية المعرفية الاجتماعية التاريخية على تطوير
الافكار واللغة، والمعنى، والعلاقات التي تربط بين التعلم والنمو. اما نظرية
الانظمة الديناميكية فتوفر اطارا لاستكشاف آليات الاستمرارية والتغير في أي نوع من
انظمة العيش.
وتنطبق النظرية على النمو البشري في العديد من المجالات
ومن ضمنها النمو الحركي، تطور المهارات، علاقات الوالد- الطفل، والمعرفة.
وتعود جذور النظرية النفس- اجتماعية الى النظرية النفس-
جنسية، والنظرية الثقافية الانثروبولوجية، والتطور النفس- اجتماعي.
وتعرف النظرية النمو البشري على انه منتج للتفاعل
المستمر للاحتياجات البيولوجية والنفسية للفرد والقدرات من ناحية، والتوقعات
الاجتماعية من الناحية الاخرى. وتتنبأ النظرية النفس- اجتماعية بتسلسل منظم للتغير
في نمو الأنا والعلاقات الاجتماعية منذ سن المهد وحتى نهاية الحياة. وفي كل مرحلة،
تظهر قدرات واستراتيجيات تكيف جديدة للمشاركة في العلاقات الاجتماعية ولتلبية
متطلبات العالم دائم التغير المعقد اجتماعيا.
وقد تم تطوير النظرية المعرفية الاجتماعية التاريخية
مباشرة بعد الثورة الروسية واكدت ان النمو يبدأ في العلاقات الاجتماعية بين الام
والطفل. وتكون مكونات هذه العلاقة داخل الطفل وتوجه سلوكياته. واثناء مسار النمو،
فان المعرفة تتطور من خلال مصادر خارجية عن الطفل ثم تصبح داخلية التفكير.
واضافة الى ذلك، فان النظرية المعرفية الاجتماعية
التاريخية تشير الى ان الطفل يتعلم الافضل عندما يقوم بالغ مستجيب او زميل اكثر
مهارة في طرح المشكلات وتوجيه الحلول والتي قد تتجاوز المستوى الحالي للفعالية.
ويتعلم الطفل توجيه سلوكه عن طريق تطوير صوت داخلي او حديث داخلي كمنتج لمساندته
وتوجيهاته الاجتماعية.
وتعود جذور نظرية النظم الديناميكية الى مجالات
الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا. وقد طبقت بداية لدراسة النمو
البشري من خلال تحليل السلوك الحركي. ويتحقق النمو نتيجة للعديد من التفاعلات
المستمرة بين جميع مستويات نظام النمو بدءا من النواة وحتى الثقافة. ان الفرضية
هنا ان النمو لا يوجه من خلال خطة تنفيذية متسلسلة سواء على المستوى
العضوي/البيولوجي او البيئي.
وبدلا من ذلك، فهناك انماظ تنظيمية جديدة تظهر نتيجة
لتنسيق ودمج الاجراءات المتكررة على الكثير من المستويات دفعة واحدة. وتعرض
النظرية وسيلة لربط التغيير الجوهري لسلوكيات الفرد مع ظهور انماط وتحولات نوعية
في السلوك مع مرور الوقت.
الفصل الثامن
النظرية النفس- اجتماعية
محاور الفصل
السياق التاريخي
المفاهيم الرئيسية
مراحل النمو
الازمة النفس- اجتماعية
سلسلة من العلاقات الهامة
الصفات الرئيسية للأنا التكيفية
الامراض الرئيسية
الاتجاهات الجديدة
مراحل النمو النفس اجتماعي الجديدة
دمج مهام النمو
العملية الرئيسية لحل الازمات النفس- اجتماعية
مثال بحثي: الهوية الفردية
التطبيق: دور الامل في التكيف وحل المشكلات
كيف تجيب النظرية النفس- اجتماعية على الاسئلة الرئيسية
بأن نظرية النمو البشري يتوقع ان تجيبها؟
نقد النظرية النفس- اجتماعية
نقاط القوة
نقاط الضعف
المصطلحات الرئيسية
الفصل الثامن
النظرية النفس اجتماعية
تحاول النظرية النفس اجتماعية تفسير التغير في فهم
الذات، والعلاقات الاجتماعية، وعلاقة الشخص بالمجتمع كمنتج للتفاعلات التي تحدث
بين العمليات البيولوجية، والنفسية، والمجتمعية. كما ان التغيرات التي تحدث في
واحد من الانظمة الثلاثة (البيولوجية، النفسية، او المجتمعية) عادة ما تؤدي الى
حدوث تغييرات في عمليات اخرى. ومن وجهة النظر النفس- اجتماعية، فان النمو يؤدي الى
تفاعل مستمر للفرد والبيئة المجتمعية. وفي كل مرحلة حياتية، فان الشخص يمضي الكثير
من الوقت لاتقان مجموعة من المهام النفسية والتي تعتبر ضرورية للتكيف الاجتماعي في
المجتمع.
ان كل مرحلة حياتية تحتوي على ازمات متعددة، والتي يمكن
النظر اليها على انها حالة توتر بين كفايات الشخص والمتطلبات الجديدة للمجتمع.
ويعمل الناس جاهدين على تخفيف هذا التوتر عن طريق استخدام العديد من استراتيجيات
التكيف المعروفة وعن طريق تعلم استراتيجيات تكيف جديدة.
ويؤدي الحل الايجابيي لكل ازمة الى مجموعة جديدة من
القدرات الاجتماعية التي تعزز قدرة الشخص على التكيف بنجاح مع المراحل اللاحقة.
وعادة ما يؤدي الحل السلبي الى الانهزامية، والتصلب/التشدد، او الانسحاب، والذي
يقلل من قدرة الشخص على التكيف بنجاح مع المراحل الحياتية اللاحقة.
السياق التاريخي
ولد ايريك ايريكسون في فرانكفورت، المانيا، سنة 1902.
ولم تكن والدته متزوجة، ولم يعرف هوية والده البيولوجي. وكانت والدته دنماركية،
واسمها كارلا ابراهامسين، وتزوجت من سمسار يهودي قبل ولادة اريكسون، ولكن الزواج
لم يدم طويلا. وقبل عيد ميلاده الثالث، تزوجت كارلا من الطبيب الالماني (طبيب
اطفال) ثيودور هومبرغر، والذي منح ايريك اسمه وكنيته. وفي كتابه التفصيلي عن
السيرة الذاتية لاريكسون، يصف لورنس فرايدمان (1999) الجهود المستمرة التي بذلها
اريكسون للكشف عن غموض اصله ومنشأه، ومشكلاته الشخصية بسبب تركيز اريكسون على
الهوية وازمة الهوية.
لم يكن اريكسون طالبا ناجحا وواجه صعوبات في الاستقرار
بوظيفة. وعندما بلغ الثامنة عشرة، وبعد اكمال دراسة الجمباز (مدرسة ثانوية المانية
تعد الطلبة للدراسة في الجامعة) فقد تنقل اركيسون في انحاء اوروبا لمدة سنة، وامضى
عدة اشهر على شواطيء بحيرة كونستانس، وكان يمارس القراءة، والكتبابة، ويستمتع
بجمال البيئة.
وعندما عاد الى وطنه التحق بكلية للفنون وباشر دراسة
لبضع سنوات. وبعد ان سافر الى فلورنسا، في ايطاليا، استنتج بأنه لن ينجح في ان
يكون فنانا، وتجول هو واصدقاءه بما فيهم بيتر بلور، في البلدة بحثا عن قيمة
لأنفسهم ومصادرهم الشخصية Coles, 1970.
وتلقى اريكسون و بلوس استلام دعوة للتدريس في مدرسة خاصة
والتي أسستها آنا فرويد للأطفال في جمعية فينا لعلم النفس. واثبت اريكسون موهبة في
العمل مع الاطفال بحيث تم اختياره للعمل كعضو هيئة تدريس بدوام كامل في الجمعية،
حيث تعلم تقنيات التحليل النفسي وخضع لتدريبات على التحليل النفسي على يد آنا
فرويد. ولقي قراره للعمل كمحلل تشجيعا من قبل المحللين العاملين في جمعية فيينا
لعلم النفس والذين كانوا متشوقون لمساعدة الاشخاص الذين يبشرون بالأمل للالتحاق في
المجال الذي اسسوه. وكان التحاق اريكيسون في التدريب غير عادي لكونه لا يحمل شهادة
جامعية او شهادة في مجال الطب.
وفي سنة 1933، وبعد تلقي التدريب على التحليل النفسي،
وزواجه من جوان، والتي التقاها في فيينا، عاد الى الولايات المتحدة الامريكية.
واصبح واحدا من اوائل محللي الاطفال في بوسطن، وبدأ التعاون مع هنري موراي في
جامعة هارفارد. وفي العام 1936، سافر الى ييل، وبعد عامين سافر للدراسة في سوسك
انديانز في جنوب داكوتا. واستفاد من المساندة والتشجيع من عدد من اخصائيو
الانثروبولوجيا الثقافية واخصائيو علم الاجتماع الذين شجّعوه على اهتماماته بدمج
التحليل النفسي والعمليات الاجتماعية الثقافية.
وبعد اكمال بحثه حول سويسك، فتح عيادة لممارسة الطب
النفسي في سان فرانسيسكو. وخلال هذه الفترة، اصبح عضو تدريس في جامعة كاليفورنيا/
بكرلي. وفي سنة 1950، غادر بكرلي واصبح محللا في مركز اوستن ريغز في ميامي.
وفي اواخر الخميسينات اصبح استاذا للنمو البشري في جامعة
هارفارد، واحتفظ بمنصبه الى ان تقاعد. ان العمل النظري الرئيسي لاريكسون، (الطفولة
والمجتمع) قد تعرض للتحليل اثناء وجوده في بكرلي، ونشر سنة 1950 عندما كان في
الثامنة والاربعين من العمر. وفي عمله، فقد عرض اريكسون نظريته النفس- اجتماعية
للنمو. وتم نشر نسخة معدلة سنة 1963، وقام بتوسعة نظريته المعدلة ونشر العديد من
الكتب والبحوث.
وقد تأثرت افكاره بالعديد من المصادر. وقد كان للتدريب
الذي تلقاه تأثير كبير على نظرته الى المرحلة الجينية، ونظرته الى مراحل التطور.
كما انه نظر الى النمو كحالة تقدم حيث تتم المعرفة او يتم اكتساب النظرة في مرحلة
متقدمة والتي تؤثر على نمو الشخص في مراحل لاحقة.
ومقارنة بالتقاليد النفس- تحليلية، والتي تركز على النمو
النفس- جنسي، فقد اصبح اريكسون اكثر اهتماما بظهور المهارات الضرورية للمشاركة في
الحياة الاجتماعية والاندماج الهادف في المجتمع. كما ركز اريسكون على ظهور نقاط
قوة الانا والكفايات بدلا من الانهزامية والضعف والتي تتبلور عندما لا يتم تحقيق
الاحتياجات. وبسبب عرض وجهة نظره عن النمو كحالة توتر جدلية بين القوى الايجابية
والسلبية، فان نظريته توفر طريقة لادراك حالات الضعف/الهشاشة ونقاط القوة ايضا.
كما ان ملاحظات اريكسون حول القبائل الهندية الامريكية
قد وجهت من خلال البحوث الحديثة في انثروبولوجيا الثقافات، مما عزز من فهمه للصفات
والقيم الثقافية ونشرها من خلال تربية وتنشئة الاطفال وتفاعلهم الاجتماعي. وكان
اريكسون مراقبا واعيا للسلوكيات اليومية مثل الرعاية، والتدريب على استخدام
التواليت، واللعب، والانضباط، وغيرها من اشكال التفاعل بين الكبار والاطفال.
ومقارنة بنظرية فرويد التي اعتمدت على تقارير من الآباء البالغين حول صفات
ابنائهم، فقد اعتمدت افكار اريكسون بشكل اكثر على المراقبة المباشرة للأطفال.
واضافة الى ذلك، فان حقيقة انه لم يتلق التدريب في مجال
فكري محدد على مستوى الدراسة الجامعية تعني بأن اريكسون كان منفتحا على العديد من
التقاليد الفكرية. واستطاع ادراك عناصر الحياة الاجتماعية التي لاحقظها ولكنها لم
تكن جزءا من السلوكيات التقليدية، مثل علم النفس او التحليل النفسي.
ومثال ذلك، انه قد تراسل مع جوليان هوكسلي، والذي كان
عالم نظريات تطورية. لقد استخدم هوكسلي مصطلح التطور النفس- اجتماعي كاشارة الى
القدرات البشرية التي تسمح للناس بجمع المعرفة من اجدادهم ونقلها على الاحفاد.
كما ان ممارسات تنشئة الاطفال، والتعليم، وانماط الاتصال
تنقل المعلومات وطرق التفكير من جيل الى آخر. وفي نفس الوقت، فان الناس يتعلمون
كيفية اكتساب معلومات جديدة، وطرق التفكير، وطرق التعريف باكتشافاتهم للآخرين. ومن
وجهة نظر هوكسلي، فان التطور النفس- اجتماعي يسبق ذلك بسرعة، ويؤدي الى تغييرات في
التكنولوجيا والآيديولوجيا التي سمحت للناس بخلق وتعديل البيئات المادية
والاجتماعية التي يعيشون فيها Huxley, 1941, 1942.
وفي واحدة من رسائله الى اريكسون، سأل هوكسلي كيف يمكننا
التعرف على مستوى اعلى للمفاهيم الاجتماعية، مثل الحميمية، الهوية، والتوليدية،
والحكمة. وكانت وجهة نظره ان هذه تعتبر من بعض افضل عناصر القدرات البشرية، ولكنها
لم تبحث حقيقة في نظريات علم النفس الحالية. وهناك الكثير من النظريات التي ركز
عليها اريكسون تتمثل في محاولة معرفة كيفية ظهور القدرات العليا في سن المراهقة
وسن الرشد.
وخلال هذه الفترة، فقد كان اصحاب النظريات الاخرى يركزون
على تطوير كفايات النضج التي تساعد في مساندة الفعالية المتقدمة طوال الحياة. وكان
باحثون مثل Bernice Neugarten, 1967, Roberg, Havighurst,
1953 and Robert White, 1960 يعملون على
بناء اطار لدراسة نمو الشخصية، والكفايات، والاتقان في سن الرشد. وفي السبعينيات،
فقد قام اصحاب نظريات مثل Daniel Levinson, 1977; Levinson, Darrow,
Klein, Levinson, and McKee, 1978 and Roger Gould, 1972 بتطوير
افكار ذات علاقة حول مراحل حياة الشخص البالغ، وبتركيز خاص على البحث عن معنى
والذي يصاحب التحولات في العمل، والاسرة، والابوة، وفهم الذات.
المفاهيم الرئيسية
كما اقترح ايريك اريسكون، فان النظرية النفس- اجتماعية
تعمل على احداث تغيير منظم طوال الحياة في خمسة من المفاهيم الاساسية:
أ) مراحل النمو
ب) الازمات النفس- اجتماعية
ت) انعكاس العلاقات الهامة
ث) الصفات التكيفية الرئيسية في الأنا
ج) اهم الامراض.
مراحل النمو
ان مرحلة النمو هي فترة من الحياة التي تتمثر بتنظيم
معين. وفي كل مرحلة، فان بعض الصفات تميزها عن السابقة والمراحل اللاحقة. كما ان
نظريات المراحل تقترح اتجاها معينا للنمو. وفي كل مرحلة، فان انجازات المراحل
السابقة توفر مصادر لاتقان التحديات الجديدة. كما تعتبر كل مرحلة فريدة وتؤدي الى
اكتساب مهارات جديدة ترتبط بالقدرات الجديدة Davison, King, Kitchener and Parkter, 1980;
Flavell, 1982b; Fischer and Silvern, 1985; Levin, 1986.
واشار اركيسون (1950/1963) بأن مراحل النمو تتبع المبدأ
الايبي جيني، وهي خطة بيولوجية للنمو وتسمح بظهور كل وظيفة بشكل منظم الى حين نمو
العضو الفعال. وتفترض نظرية المراحل هذه بأن المراحل تتشكل بطريقة متسلسلة.
ورغم ان الشخص يمكن ان يلاحظ التحديات التي سوف تحدث في
مرحلة لاحقة، الا ان الشخص يمر عبر المراحل بنمط منظم من حيث النمو. وفي منطق
النظرية النفس- اجتماعية، فان جميع فترات الحياة ضرورية لنمو جميع وظائف النمو
النفس- اجتماعي حتى تظهر وتدمج في بقية المراحل. ولا يوجد تراجع او عودة الى مراحل
سابقة بسبب ان الخبرة تجعل التراجع مستحيل.
ومقارنة بنظريات المراحل الاخرى، فقد اقترح اريكسون أن
بإمكان الشخص ان يراجع ويفسر المراحل السابقة على ضوء وجهات النظر الجديدة و/أو
الخبرات الجديدة. واضافة الى ذلك، فان محاور واهداف المراحل السابقة قد تعود
للظهور ثانية في أي مرحلة، وتحمل معاني جديدة او حلولا جديدة لصراع سابق. ويتأمل
جون اريكسون في سلاسة وجهة النظر هذه قائلا:
"ان هذا التطور المتسلسل... والذي يعرف الان بأنه اكثر
تأثرا بالنظريات الاجتماعية مقارنة بالسنوات السابقة.
وفي حالة عدم تطور احدى القدرات بشكل مناسب بحسب تسلسل
معين خلال فترة زمنية، فان اسنادات البيئة قد تحمل توازنا ملائما في مرحلة زمنية
لاحقة. ويبقى الامل طوال الحياة بحيث يتم التوصل الى مزيد من القرارات والحلول
للمواجهات التي يتعرض لها الشخص Erikson, 1988, p. 74-B 75.
وقد عرض Erikson (1950/1963) ثماني مراحل للنمو النفسي. ويمكن متابعة بداية هذه
المراحل بالمقارنة مع مراحل النمو النفس- جنسي التي اقترحها فرويد وفي جزء من عمل Erikson وملاحظاته
والنمط التفكير الغني.
ويعرض الشكل (8،1) توضيحا يبين وصف Erikson لمراحل
النمو خلال سن الطفولة والتطوير النفس- اجتماعي. كما تحدد المربعات المتقابلة
الصراعات الرئيسية (الانا) النفس- اجتماعية لكل مرحلة. وتؤدي صراعات الانا الى
انتاج مهارات (الانا) الجديدة. وفي النموذج الاصلي الذي عرضه Erikson، يمكن
ملاحظة ان فترات الحياة قد اعطيت (في الشكل) اسماء معينة، مثل الحس اللفظي او فترة
الطمث او المراهقة، ولكن بدون تحديد للأعمار. وتعكس هذه الطريقة تركيز Erikson على الجدول
الزمني للفرد خلال النمو، وتوجه من خلال النضج البيولوجي والتوقعات الثقافية (انظر
الشكل 8،1).
كما ان مفهوم مراحل الحياة يسمح لنا باعتبار العديد من
عناصر النمو مثل النمو الجسدي، والعلاقات الاجتماعية، والقدرات المعرفية خلال فترة
معينة من الحياة للتكهن بمدى تفاعل تلك القدرات.
كما انها تسهم في التركيز على خبراتنا الفريدة في كل
مرحلة عمرية – الخبرات التي تستحق ان تفهم لكل من الصواب والمساهمة في النمو
لاحقا.
وبرغم فائدة طريقة المراحل، الا ان على الشخص تجنب التفكير
في المراحل على انها فترات محددة. ونظرا لوصف الشخص على انه يمر بمرحلة معينة،
فهذا لا يعني انه لا يستطيع العمل بفعالية على المستويات الاخرى.
ومن المعتاد بالنسبة للناس ملاحظة التحديات اللاحقة قبل
ان يتم السيطرة عليها. ومثال ذلك، فهناك العديد من الاطفال الرضع او في مرحلة ما
قبل المدرسة، يلعبون ادوار العمل المنزلي، والزوج والزوجة والأبناء. ويمكن القول
بأنه، ومن خلال هذا اللعب، فانهم يلاحظون قضايا تتعلق بالحميمية والتعميم والتي قد
تحدث مستقبلا، ويتنبأون بها قبل وقوعها.
كما ان خبرة وجود طفل، سواء حدث هذا بعمر 18، او 25 او
35 عاما، قد تثير قضايا التعميمية، حتى وان كانت النظريات تقترح بأن هذا التحول لا
يصل الى ذروته الا في منتصف سن الرشد McAdamd and de St. Aubin, 1998.
الشكل (8،1): النظرية النفس- اجتماعية
الحسية الشفوية
|
الثقة/عدم الثقة
|
|
|
|
|
|
|
|
العضلية- الشرجية
|
|
الاستقلالية/الخجل، الشك
|
|
|
|
|
|
|
ضعف الحركة
|
|
|
المبادرة/الشعور بالذنب
|
|
|
|
|
|
الكامنة
|
|
|
|
الصناعة/الغضب
|
|
|
|
|
الطمث والمراهقة
|
|
|
|
|
الهوية/تشوش الدور
|
|
|
|
سن الرشد المبكر/الشباب
|
|
|
|
|
|
الحميمية/العزلة
|
|
|
سن الرشد
|
|
|
|
|
|
|
التعميم/الوصمة
|
|
النضج
|
|
|
|
|
|
|
|
الاتساق/الاشمئزاز، خيبة
الامل
|
وعندما يكمل الشخص احدى المراحل، فان انجازات تلك الفترة
لا تفقد، وتبقى مرتبطة بالمراحل اللاحقة. ورغم ان النظرية تشير الى تعزيز ظهور
الانا من خلال الحلول الناجحة للصراعات خلال كل مرحلة، الا ان المرء يجب ان لا
يفترض بأن نقاط القوة هذه، وعندما تتشكل، لا تتغير او تهتز. كما ان الاحداث التي
تحدث لاحقا من الحياة تتطلب التساؤل عن المعتقدات الاساسية التي تشكلت في مرحلة
مبكرة.
ومثال ذلك، ان الصراع النفس – اجتماعي خلال السنوات
الاولى للمدرسة يكون اوليا مقارنة بالشعور بالذنب. كما ان النتيجة الايجابية، الشعور
بالقدرة على المبادرة، تتمثل في المتعة من الابتكار والتجريب والرغبة في تحمل
المخاطر من اجل تعلم المزيد عن العالم.
وعندما تتحقق، فان الحس بالمبادرة يوفر منصة ايجابية
لتشكيل العلاقات الاجتماعية اضافة الى القدرة على الاستفسار والاستكشاف الابداعي
العقلي. وبشكل عام، فان الخبرات في مجال بيئة المدرسة او في علاقة شخصية قد تجعل
الشخص يكبح حسه بالرغبة في المبادرة او ربما يحجب مثل هذه الرغبة.
وعلاوة على ذلك، فان فكرة مراحل الحياة تسلط الضوء على
تغيير المعارف نحو ذات الشخص والاخرين والتي تسيطر على الشخص طوال مراحل الحياة.
كما ان الانتقال من مرحلة الى اخرى نتيجة للتغيرات في العديد من الانظمة في نفس
الوقت تقريبا. ان الخليط الجديد من الاحتياجت، والقدرات، والتوقعات هو الذي يؤدي
الى معرفة جديدة تجاه الخبرة التي تكتسب في كل مرحلة.
الازمة النفس- اجتماعية
تظهر الازمة النفس- اجتماعية لأن على الشخص ان يبذل
جهودا نفس- اجتماعية من اجل التكيف مع متطلبات البيئة الاجتماعية في كل مرحلة من
مراحل النمو Erikson, 1950/1963. واضافة الى
ذلك، فان كلمة أزمة ضمن هذا السياق تشير الى مجموعة طبيعية من
التوترات والاجهادات وليس بسبب مجموعة من الاحداث الخارجية.
ويتعرض الناس للعديد من المتطلبات ولكنهم يثابرون على
العمل لتحقيق التوقعات المطلوبة من السلوك. وربما يكون هنالك متطلبات اكثر او تفوق
السيطرة الذاتية، والتي تطور مزيدا من المهارات، او تؤدي الى التزام اقوى بتحقيق
الاهداف.
وقبل نهاية كل مرحلة من مراحل النمو، فان الشخص يحاول
تحقيق الحل، للتكيف مع متطلبات المجتمع، وفي نفس الوقت، ان يفسر هذه المتطلبات الى
اهداف شخصية. وتؤدي هذه العملية الى حالة من التوتر والتي يتوجب على الفرد تقليلها
من اجل الانتقال الى المرحلة التالية. كما ان حالة التوتر هذه هي التي تؤدي الى
الازمة النفس- اجتماعية.
الأزمة النفس- اجتماعية في مراحل الحياة
يبين الشكل 8،1 الازمات النفس- اجتماعية لكل مرحلة من
مراحل النمو بدء من سن المهد الى سن متأخرة. وقد تم اشتقاق هذا المخطط من نموذج
اريكسون، والذي يعبر عن الازمة التي تتكون من عدة اقطاب – ومثال ذلك، الثقة مقابل
سوء الثقة، الاستقلالية مقابل الخجل والشك. وتشير هذه الحالات المتناقضة الى ابعاد
هامة والتي من خلالها يمكن حل الازمة النفس- اجتماعية. وبحسب النظرية النفس-
اجتماعية، فان معظم الناس يتعرضون لكلا حالتي المسار. ان الخلل الواضع بين مستوى
نمو الشخص في بداية احدى المراحل ودفع المجتمع للوصول الى مستوى فعالية جديدة في
نهاية المرحلة يخلق مستوى معتدلا من الظروف السلبية.
وحتى في حالة توفر مشاعر الحب، وفي ظل وجود بيئة اسرة
تقدم الرعاية لتعزيز الثقة، فان الطفل الرضيع سوف يتعرض لبعض اشكال الاحباط او
خيبة الامل نتيجة لسوء او انعدام الثقة. وتكون نتيجة الازمة في كل مرحلة توازن او
اندماج لقوتين متعارضتين. وبالنسبة لكل شخص، فان التكرار النسبي واهمية الخبرات
الايجابية والسلبية سوف تسهم في التوصل الى حل الازمة التي تظهر على امتداد المسار
من الطرف الايجابي الى الطرف السلبي.
ان احتمالية حدوث حل ايجابي بالكامل او سلبي بالكامل
تكون ضئيلة. كما ان معظم الافراد يحلون الازمات بطرق ايجابية، وتعزز من خلال سلسلة
من الخبرات الايجابية المرتبطة بالنزعات والميول الطبيعية والنضج. وفي كل مرحلة
لاحقة، فان احتمالية الحل السلبي تزداد بسبب زيادة متطلبات المجتمع ولكون هذه
المتطلبات تصبح اكثر تعقيدا، وتزيد فرص مواجهة معوقات مجتمعية تحول دون النمو.
واضافة الى ذلك، فان الحل الايجابي لك ازمة يوفر نقاط قوة جديدة للأنا والتي تساعد
الشخص على مواجهة متطلبات المرحلة اللاحقة.
ومن اجل فهم عملية النمو في كل مرحلة حياتية، فعلينا ان
نأخذ القطب السلبي والايجابي لكل ازمة. كما ان التوتر الديناميكي بين القوى
الايجابية والسلبية يعكس الصراعات التي نواجهها من اجل المحافظة على حالة التوازن،
وللتغلب على المخاوف والشكوك، والنظر نحو تحقيق احتياجاتنا ومن اجل تلبية احتياجات
الاخرين. واضافة الى ذلك، فان الاقطاب السلبية توفر وجهة نظر حول المجالات
الاساسية للضعف البشري. وتؤدي القوى السلبية الى توضيح موقع او مكان الانا،
والفردية، والتكامل والاتساق المعنوي.
وبينما ان الحمية الثابتة من سوء الثقة غير مرغوبة، الا
ان من الضروري ان يتمكن الشخص الذي يعطي الثقة من تقييم المواقف والاشخاص موضع
الثقة واكتساب ايحاءات حول السلامة او الخطر الذي قد يتعرض له. وفي كل ازمة نفس-
اجتماعية، فان الخبرات على القطب السلبي والايجابي تسهم في قدرات التكيف لدى الشخص.
وتشير كلمة (ازمة) الى ان النمو الطبيعي لا
يسير بشكل سلس. وتشير النظرية ان التوتر والصراع ضروري لتطوير العملية؛ وان الازمة
وحلها تعتبر من العناصر الاساسية، وهي تعتمد على الخبرات الحياتية التي تكتسب في
كل مرحلة. وفي الواقع، فانها تحفز نظام الانا من اجل تطوير قدرات جديدة.
واضافة الى ذلك، فان عبارة (نفس- اجتماعي) تلفت الانتباه
الى حقيقة ان الازمات النفس- اجتماعية هي نتيجة للضغوطات والتوقعات الثقافية.
وكجزء من النمو الطبيعي، فان الاشخاص سوف يتعرضون للتوتر بسبب حاجة الثقافة الى
التفاعل الاجتماعي والاندماج مع اعضاء المجتمع. ويقر هذا المفهوم بالصراعات
الديناميكية بين الفردية والانتماء للمجموعة في كل مرحلة من مراحل الحياة. ويشير
مفهوم الازمة الى ان شيئا ما قد يتدخل في كل مرحلة ويؤثر على النمو ويقلل من فرص
الشخص في تحقيق الكمال الشخصي.
وبالمقابل، فان طبيعة الصراع لا تكون متشابهة في كل
مرحلة. ومثال ذلك، فهناك عدد من القيود الثقافية التي تفرض على الاطفال الرضع.
وتعتمد نتائج مرحلة المهد بشكل كبير على مهارة مقدم الرعاية. وفي سن المدرسة
المبكرة، فان الثقافة تقف وتحول دون مبادرات الطفل تجاه بعض المسائل ومن خلال
احباط فضوله او اسئلته الكثيرة حول مواضيع معينة، وتوفر من التشجيع للمبادرات التي
يعرضها الآخرون.
وفي سن الرشد المبكرة، فان الدافع الثقافي السائد يركز
على انشاء علاقات حميمية؛ ومع ذلك فقد لا
يستطيع الفرد اكتساب او بناء الحميمية بسبب قلة الوقت لانشاء العلاقات الحميمية،
او بسبب كثرة الضغوطات في بيئة العمل، او الصفات والتقاليد الثقافية التي تعارض
بعض تعبيرات الحميمية، او القيود المفروضة على انواع معينة من الاتحادات.
وكما يظهر في العامل الوراثي، فان تعاقب الازمات يحدث
بتسلل متوقع طوال فترة الحياة. ورغم ان اريكسون لم يحدد المراحل الدقيقة لكل ازمة،
الا ان النظرية تفترض مرحلة عملية معينة تحدث خلالها كل ازمة. كما ان ربط العوامل
البيولوجية، والنفسية، والاجتماعية التي تعمل على احداث التغيير تمتلك درجة مألوفة
في المجتمع الذي يصنف كل ازمة نفس – اجتماعية ضمن فترة زمنية معينة من حياة المرء.
العنصر الاساسي في العلاقات الهامة
يعتقد بأن هذه العلاقات تمثل وسيلة او قناة من خلالها
يتم الابلاغ عن التوقعات الثقافية والمجتمعية. ان (انا) الشخص تتضمن نظام معالجة
اجتماعي حساس تجاه التوقعات الاجتماعية. وبداية، فان الشخص يركز على عدد قليل من
العلاقات، بدءا من مقدمي الرعاية، الاشقاء، او غيرهم من افراد الاسرة المقربين.
وخلال سن الطفولة والمراهقة، وسن الرشد المبكرة، فان عدد العلاقات يتسع وتتخذ جودة
هذه العلاقات العديد من الاشكال المتعمقة والشدة والقوة.
وفي سن الرشد المتأخرة، غالبا ما يعود المرء الى عدد
قليل من العلاقات الهامة جدا والتي توفر فرصا لمزيد من التعمق والحميمية.
وفي كل مرحلة من مراحل الحياة، فان شبكة العلاقات هذه
تحدد المتطلبات التي على الشخص تحقيقها، وطريقة اهتمامه بها، والمعنى الذي يحققه
الشخص من تلك العلاقات. وتختلف شبكات العلاقات من شخص لآخر، ولكن لكل شخص شبكة من
العلاقات الهامة واستعداد متزايد للدخول في مزيد من اشكال الحياة الاجتماعية
المعقدة Vanzetti, and Duck, 1996.
وتؤثر جودة هذه العلاقات والصفات والتفاعل على طريقة
التعرض للأزمة النفس- اجتماعية، والسياق الشخصي الذي يؤدي الى حل تلك الازمة.
الصفات الرئيسية للتكيف لدى الانا
بحسب النظرية النفس- اجتماعية، ففي كل مرحلة من مراحل
الحياة هناك جهود متسقة تبذل لمواجهة والتكيف مع الازمة النفس- اجتماعية التي تحدث
خلال فترة من فترات الحياة، وتؤدي الى تشكل قدرات تكيف اساسية والتي يشار اليها
باسم (الصفات الرئيسية لتكيف الانا). وعندما لا ينجح التكيف ولا يتم اتقان تحديات
الفترة، فان الاشخاص غالبا ما يشكلون معارف خاطئة، والتي يشار اليها باسم (الامراض
الرئيسية).
كما ان اريكسون (1978) عرض اهم صفات الانا التكيفية التي
تتطور من الحلول الايجابية للازمات النفس- اجتماعية لمرحلة معينة وعرض مصادر
للتكيف مع المراحل اللاحقة. كما نظر اريكسون الى صفات الانا التكيفية على انها
توجه من خلال التطور والتجسيد في خريطة نمائية ترافق النضج البشري. وبدون هذه
الصفات، واعادة ظهورها من جيل الى آخر، فان جميع انظمة التغير البشري تفقد روحها
وقيمتها وارتباطها Erikson, 1950/1963, p. 274.
وعند حل الازمة النفس – اجتماعية من خلال توازن مناسب
بين الاقطاب الايجابية والسلبية، تظهر قدرة الشخص على التحمل. كما وصف اريكسون هذه
الصفات على انها حالات عقلية تشكل معرفة اساسية نحو تفسير الخبرات الحياتية.
وعلاوة على ذلك، فان الشعور بالكفاية، يسمح للشخص
بالشعور بالحرية في ممارسة جهوده من اجل حل المشكلات بدون ان يضعف بسبب الشعور بالارهاق.
كما ان صفات الانا الشخصية وتعريفاتها تتمثل فيما يلي:
أ) مرحلة سن المهد – الامل، والتي تمثل اعتقادا قويا بأن
الشخص يستطيع تحقيق رغباته العميقة والاساسية.
ب) الارادة خلال مرحلة الرضاعة، والتي تمثل اصرارا على
تجربة حرية الاختيار وضبط النفس.
ت) الهدف- خلال مرحلة الدراسة المبكرة، والتي تمثل الشجاعة
في التخيل ومواصلة العمل على تحقيق الاهداف الهامة.
ث) الكفاية- مرحلة الطفولة المتوسطة، والتي تمثل ممارسة حرة
للمهارات والذكاء لاكمال المهام وانجازها.
ج) مرحلة المراهقة المبكرة- التواصل مع الآخرين، والتي تمثل
القدرة على حرية التواصل واستدامة العلاقات والولاء للآخرين.
ح) المراهقة اللاحقة- الالتزام بالقيم، والتي تمثل القدرة
الحرة على استدامة الولاء والاخلاص للأفكار.
خ) مرحلة سن الرشد المبكرة- الحب، والتي تمثل القدرة على
الانتقال من سن الطفولة والاعتماد على الآخرين الى الاعتماد على الذات.
د) مرحلة سن الرشد المتوسطة- الرعاية، والتي تمثل التزاما
بالاهتمام بما تم تحقيقه؛
ذ) مرحلة سن الرشد المتأخرة- الحكمة، وتمثل الانفصال،
والاهتمام الفعال بالحياة نفسها في مواجهة الموت.
وتسهم صفات الانا هذه في سيطرة الشخص على النظرة
العالمية، والتي تعاد صياغتها باستمرار من اجل التكيف مع الصفات الجديدة للأنا.
واضافة الى ذلك، فان اهمية الكثير من صفات الانا التكيفية قد تعرضت للتحقق من خلال
البحوث. ومثال ذلك، فقد تم تعريف الأمل على انه العامل الهام الذي يسمح للناس
بالتكيف مع التنوع ومعرفة اجراءاتهم من اجل تحقيق اهداف صعبة Snyder, 1994.
كما ان الناس الذين لديهم اتجاه نحو الامل يمتلكون فرصا
افضل للمحافظة على قدراتهم في مواجهة الازمات اكثر من الاشخاص المتشائمون. وفي
مقابلات اجريت مع اشخاص من كبار السن، فقد وجد اريكسون وزملاؤه بأن الذين تحلوا
بالأمل حول مستقبلهم ومستقبل ابنائهم كان لديهم قدرات عقلية افضل وكانوا بنفسيات
افضل من اولئك الذين لم يتحلوا بهذه المعرفة Eriskson, et al., 1986.
الأمراض الرئيسية
رغم ان معظم الناس يطورون صفات الانا التكيفية، الا ان هناك عدد من الامراض او القوى الهدامة التي تتطور نتيجة لعدم الفعالية، وبسبب حل الازمات بشكل سلبي خلال كل مرحلة Erikson, 1982. وتتمثل اهم الامراض وتعريفاتها فيما يلي:
أ) سن المهد- الانسحاب، والانفصال الاجتماعية والعاطفي.
ب) مرحلة الرضاعة- الاندفاعية، السلوكيات المتكررة التي
تحدث بسبب الغضب او القيود المفروضة على التعبير عن المشاعر.
ت) سن المدرسة المبكرة- الكبح، عوائق نفسية تحول دون حرية
التفكير، والتعبير، والنشاط.
ث) الطفولة المتوسطة- شلل في الاجراءات والتفكير وبما يمنع
من العمل المنتج الخلاق.
ج) سن المراهقة المبكرة- الانفصال، عدم القدرة على الارتباط
مع الآخرين.
ح) سن المراهقة المتأخرة- قلة الشهرة، رفض القيام بمعظم
الادوار والقيم بسبب ان الشخص يعتبر انها غير ضرورية.
خ) سن الرشد المبكرة – الحصرية، احتجاب انتقائي عن الآخرين.
د) سن الرشد المبكرة – الرفض، عدم الرغبة في الانضمام الى
اشخاص او مجموعات موضع اهتمام عام؛
ذ) سن الرشد المتأخرة – الانفصال، شعور باحتقار الضعف
والذات والآخرين.
وتعمل الامراض الرئيسية/الجوهرية كمعارف توجيهية للسلوك.
كما ان هذه الامراض تنقل الناس بعيدا عن الآخرين، وتمنع من القيام بمزيد من
الاستكشاف للعلاقات الشخصية، وتعيق القدرة على حل الازمات النفس- اجتماعية.
واضافة الى ذلك، فان الطاقة التي عادة ما توجه نحو اتقان مهام النمو خلال احدى المراحل توجه بدلا من ذلك نحو مقاومة او تجنب التغيير. وتؤدي مثل هذه الامراض الى تعزيز متطلبات تخلق حالة من التوتر.
توجهات جديدة
لقد توسعت النظرية النفس- اجتماعية في دراسة فترات العمر
Newman and Newman, 1975. وتحتوي
وجهة النظر هذه على اثنين من المفاهيم، وخاصة المهام النمائية والعمليات الرئيسية
لحل الازمات النفس- اجتماعية. كما انها توسع عدد مراحل الحياة والازمات النفس-
اجتماعية ذات العلاقة. وتتمثل المراحل الاضافية في: النمو قبل الولادة، المراهقة
المبكرة، وسن الشيخوخة المتأخرة (التقدم الشديد في السن).
المراحل النفس- اجتماعية الاضافية
ان اضافة هذه المراحل الجديدة الثلاث يوفر توضيحا جيدا
لعملية بناء النظريات. ان نظريات النمو البشري تظهر وتتغير ضمن السياق الثقافي
والتاريخي. كما ان انماط النمو البيولوجي والنفس- اجتماعي تحدث ضمن الاطار
الثقافي. وتضاف مرحلة ما قبل الولادة الى المراحل النفس- اجتماعية للنمو ضمن سياق
الكم المتزايد من البحوث والتي توضح التفاعل الديناميكي للخطة الجينية الموجهة
لنمو الجنين وبيئته. وتتأثر بيئة الجنين بالعديد من العوامل الاجتماعية والثقافية
التي تحدث فيها عملية الحمل. وبناء عليه، فان وضع الجنين عند الولادة يكون منتجا
لديناميكية نفس- اجتماعية.
كما ان تقسيم فترة المراهقة الى مرحلتين نفس- اجتماعيتين
يمثل منتجا للتغيرات التي تحدث في توقيت فترة النضج/البلوغ في المجتمع الحديث،
وتوسع الحاجة الى التعليم والتدريب قبل الدخول في عالم العمل والوظيفة، ويرتبط
بالتغيرات التي تحدث في بنية وتركيبة نظام التعليم، والتنوع في الخيارات المتوفرة
لحياة الوظيفة، والزواج، والابوة، والآيديولوجيا.
واضافة الى ذلك، فان فترة المراهقة اللاحقة، والتي تم
وصفها في العديد من كتابات اريكسون تركز على الهوية الفردية، وذلك في جهد لاكتشاف
اندماج في ادوار الشخص المقبولة والتي تلقى تقدير المجتمع. وقد ربطت البحوث
الحديثة قدرة التأمل الذاتي هذه والقدرة على دمج المعلومات ضمن مفهوم معقد للذات
مع استمرار نضج الجزء الامامي من الدماغ، والذي يقوم باتخاذ القرارات، وعمليات
التخطيط، وتحديد الاهداف Steinberg, 2005.
وان فكرة مرحلة المراهقة اللاحقة من النمو قد تعززت من
خلال زيادة كميات البحوث التي لخصها Jeffrey Arnett, 1998, 2000, 2004. ويشير آرنيت الى هذه المرحلة من الحياة على انها ظهور سن الرشد.
وتتصف فترة المراهقة المبكرة بالتركيز على الهوية
الاجتماعية او الجماعية وارتباطها بالتحولات النفس- اجتماعية المصاحبة للتغير في
سن البلوغ. وتتمثل الازمة النفس- اجتماعية لهذه المرحلة بالهوية الجماعية مقابل
الحيادية. وتؤدي هذه الازمة الى توتر بين الشعور بأن الشخص يرتبط بشكل هادف
بمجموعة اجتماعية هامة والشعور بالغربة الاجتماعية. وتتمثل فترة تكيف الانا
بالارتباط بالآخرين، والرغبة في اظهار الولاء للأخرين واستدامة التزامات الشخص
تجاههم. ويتمثل المرض الرئيسي هنا في الانفصال، والحس بالعزلة، والانسحاب، والتردد
في الالتزام تجاه الآخرين بشكل يعزز الصداقات طويلة الأمد Newman and Newman, 1976, 2006.
كما ان اضافة فترة التقدم الكبير في السن (الشيخوخة) قد
حفزت من خلال الاهتمام باستراتيجيات التكيف التي تميز الاشخاص الذين يتجاوزون فترة
العيش المتوقعة مقارنة بزملائهم الذين ولدوا في نفس الفترة.
ففي الولايات المتحدة الامريكية، فان اولئك الذين بلغوا
الخامسة والثمانين فما فوق في حالة تزايد، ويتوقع ان يصل عددهم الى 7،2 مليون شخص
بحلول العام 2020. وقد اشار اريسكون الى هذه المرحلة في كتابه (المشاركات الهامة
في سن الشيخوخة( (اريكسون وزملاؤه، 1986).
وقد قمنا بتوسعة هذه الافكار، مع الأخذ بعين الاعتبار
صفات الشجاعة، والقوة، واستراتيجيات التكيف التي لوحظت لدى هذه المجموعة، علاوة
على تأثير تقدم السن على مفهوم الذات ونظرته الى الموت. وتتعلق الازمة النفس-
اجتماعية لدى كبير السن في الوفاة مقابل الانقراض Newman and Newman, 2006.
واضافة الى ذلك، فان هذه الازمة تعكس حالة توتر بين
النظرة الى الحياة من خلال الرموز المجتمعية، او الاستمرارية الروحية، والشعور بأن
الموت يمثل نهاية دائمة لوجود وتأثير الشخص. كما ان الصفة الرئيسية لتكيف الانا
تتمثل في الثقة بذات الشخص ومعنى الحياة. ويتمثل المرض الرئيسي في عدم الثقة
بالنفس، وعدم قدرة الفرد على التصرف بسب كثرة او الافراط في الشك بالنفس.
ان الحاجة الى تمييز فترة التقدم الشديد في السن عن
مرحلة الرشد اللاحقة قد تأكد من خلال كتابات جون اريكسون والذي اقترح دورة حياة من
تسع مراحل Erikson and Erikson, 1997. وكتبت جون
اريكسون عن هذه المرحلة من الحياة خلال سنوات بعد وفاة Eri، بينما كانت
في التسعينيات من العمر. ونتيجة لتراجع الصحة البدنية، والعزلة الاجتماعية، وفقدان
المحبين، والتجاهل الثقافي او عدم الاعتبار، فقد اشار اريكسون بأن الاقطاب السلبية
للمراحل النفس – اجتماعية الثمانية تصبح واضحة.
واضافة الى ذلك، فقد ميزت الحس بالخيبة خلال المرحلة
الثامنة من النظرية، والتي تمثل الخيبة من الفرص الماضية الضائعة والندم على قرارات
سابقة، ومن خلال نوع جديد من الخيبة بسبب فقدان القدرات، والتراجع في الصحة
البدنية بسبب تقدم السن. كما كتبت جون عن فشل المجتمع في توفر استراتيجية ملائمة
او برنامج لاحتضان حقائق تقدم السن وبما يسمح لكبار السن بالبقاء في حالة مشاركة
في النشاطات، والتواصل، والاندماج في الحياة الاجتماعية.
دمج مهام النمو
في كل مرحلة من مراحل النمو، يواجه الشخص مجموعة جديدة
من مهام النمو التي تتكون من مجموعة من المهارات والكفايات التي تسهم في زيادة
سيطرة الشخص على بيئته. ان هذه المهام تعكس مجالات الانجاز في النمو الجسدي، والمعرفي،
والاجتماعي، والعاطفي، اضافة الى تطور في مفهوم الذات.
وكذلك الحال، فان المهام تحدد ما هو صحي، والنمو الطبيعي
في كل مرحلة في مجتمع معين. كما ان النجاح في تعلم المهام لمرحة واحدة يؤدي الى
النمو وزيادة فرص النجاح لتعلم مهام المراحل اللاحقة. واضافة الى ذلك، فان الفشل
في احد المراحل يؤدي الى زيادة الصعوبة في المهام اللاحقة او قد يجعل من المستحيل
اتقان المهام اللاحقة. ويرى Robert J. Havighurst, 1948/ 1972 الذي استخدم مفهوم مهام النمو والتثقيف حول النمو والتعلم
البشرية، بأن النمو البشري هو عملية حيث يحاول الناس تعلم المهام التي يشترطها
المجتمع والتي يتكيفون معها.
ان هذه المهام تتغير مع تقدم السن بسبب ان كل مجتمع
يمتلك توقعات متدرجة مع العمر والسلوك. "ان العيش في مجتمع متحضر يمثل سلسلة
طويلة من المهام التي يجب تعلمها حتى يستطيع الشخص العيش في ذلك المجتمع" Havighurst, 1948/ 1972, p .2 . كما ان الشخص الذي يتعلم بشكل جيد يحقق الرضا والتعزيز؛ اما
الشخص الذي لا يتعلم بشكل جيد فانه يعاني من التعاسة وعدم الدعم الاجتماعي.
وهناك عدد قليل من مهام النمو الرئيسية التي تسيطر على
جهود الشخص لحل المشكلات والتعلم خلال مرحلة معينة. وتجدر الاشارة الى ان الشخص
يتغير على عدد من المستويات الرئيسية خلال كل مرحلة عمرية. ان المهام التي تتعلق
بالنمو الجسدي، والعاطفي، والعقلي والاجتماعية، وتطور مفهوم الذات، تسهم جميعا في
مصادر الشخص للتكيف مع تحديات الحياة. وعند اتقان هذه فان الكفايات الجديدة تعزز
من قدرة الشخص على المشاركة في مزيد من عمليات التخطيط المعقدة، وعمليات اتخاذ
القرارات، وبناء العلاقات. كما ان الثقافات الناجحة توفر فرصا لأعضائها من اجل
تعلم ما يحتاجون معرفته في كل مرحلة، ولبقائهم ولبقاء مجموعتهم التي ينتمون اليها.
وتتأثر عملية اتقان مهام النمو بحل الازمات النفس-
اجتماعية للمرحلة السابقة، ويؤدي هذا الحل الى تطوير قدرات مجتمعية جديدة. وتؤدي
هذه القدرات الى تعريف الشخص على الخبرات الجديدة، وقدرة على اقامة علاقات جديدة،
ومشاعر جديدة حول قيمة الذات عندما يواجه الشخص التحديات المرتبطة بمهام النمو
التي تخص المرحلة التالية من النمو.
وبالمقابل، فان المهارات التي يتم تعلمها خلال مرحلة
معينة نتيجة للعمل على المهام النمائية توفر وسائل لحل الازمات النفس- اجتماعية
لتلك المرحلة. وتتفاعل عملية انجاز المهام وحل الازمات لانتاج قصص حياتية فردية.
العملية الرئيسية لحل الازمات النفس-
اجتماعية
ان كل ازمة اجتماعية تعكس بعض الخلل او العجز بين كفايات
نمو الشخص في بداية المرحلة والضغوطات المجتمعية الجديدة لتحقيق مزيد من الفعالية
والكفاية. كيف يمكن حل الضعف؟ ما هي الخبرات او العمليات التي تسمح للشخص بتفسير
توقعات ومتطلبات المجتمع وتنظيمها من اجل مساندة التغيير؟ ان العملية الرئيسة تشير
الى وسيلة يستخدمها الشخص لخلق حس للتوقعات الثقافية واجراء تعديلات تكيفية للذات Newman and Newman, 1975/ 2006.
كما ان كلمة (الاجراء) تشير الى الوسيلة التي من خلالها
يستطيع الشخص ادراك الضغوطات المجتمعية الجديدة والتوقعات، واعطاء هذه التوقعات
معاني شخصية، ثم التغيير بشكل تدريجي. كما ان العملية/الاجراء، والتي تتكشف مع
مرور الوقت، تؤدي الى علاقات بين الذات والمجتمع. وربما يتم مقارنة الاجراء
الرئيسي بالظواهر الجسدية واستيعابها من خلال التحولات التي تحدث للجسد.
وفي كل مرحلة من الحياة، فهناك انماط من العمل النفسي
والتفاعل المجتمعي يجب ان تحدث اذا ما اراد الشخص الاستمرار في النمو.
ومثال ذلك، ففي سن المهد، فان الازمة النفس – اجتماعية
تثير سؤالا حول كيف يزيد الاطفال من حسهم بالاستقلالية بدون المخاطرة بالكثير من
الخبرات التي تؤدي الى الشعور بالخجل والشكل. ان التقليد والمحاكاة تمثل عملية
رئيسية للنمو النفس- اجتماعي خلال سن الرضاعة (2 و 3 سنوات).
ومن ناحية اخرى، فان الاطفال يوسعون من مهاراتهم عن طريق
محاكاة الكبار، والاشقاء، ومشاهدة التلفاز، وزملاء اللعب، والحيوانات. كما
المحاكاة تزود الاطفال بقدر كبير من الرضا. وعندما يزيدون التشابه بين انفسهم
والاشخاص الذين يعجبون بهم في المجتمع من خلال المحاكاة، فانهم يبدأون بتجربة
العالم بنفس خبرات الأشخاص الآخرين. كما انهم يمارسون بعض اشكال السيطرة على
الاحداث التي تثير الخوف او التشوش، عن طريق محاكاة عناصر تلك الحالات اثناء
اللعب.
ويعزز الانتقال نحو الحس بالاستقلالية خلال سن الرضاعة
عن طريق استعداد الطفل للتقليد ووجود العديد من النماذج المتوفرة لكي يقوم
بملاحظتها. ان المحاكاة توسع من مجال سلوكيات الاطفال، ومن خلال نشاطات المحاكاة،
يتمكن الاطفال من توسعة حسهم بالمبادرة الذاتية وسلوكياتهم والقدرة على السيطرة
على اجراءاتهم. وتؤدي الخبرات المتكررة من مثل هذا النوع الى تطوير حسب الاستقلالية
الشخصية.
واضافة الى ذلك، فان العمليات الرئيسية للتكيف مع
التحديات في كل مرحلة من مراحل الحياة توفر آليات شخصية ومجتمعية لتلقي المعلومات
الجديدة واعادة تنظيم المعلومات الحالية. كما تشير الى توفير وسائل غالبا ما تؤدي
الى مراجعة النظام النفسي بحيث يمكن التوصل الى حل للأزمة في سن معينة، بما في ذلك
اعادة تنظيم الحدود، والقيم وصورة الذات والآخرين.
وتتمثل العمليات الرئيسية التي تؤدي الى اكتساب مهارات
جديدة، وحل الازمات النفس- اجتماعية، والتكيف الناجح في كل مرحلة من مراحل الحياة
فيما يلي:
أ) الطفولة المبكرة – بالاشتراك مع مقدم الرعاية
ب) المحاكاة خلال سن الرضاعة
ت) سن الدراسة المبكرة- التحديد
ث) التعليم في مرحلة الطفولة المتوسطة
ج) المراهقة المبكرة- ضغوطات الاقران.
ح) المراهقة المتأخرة- تجربة الادوار.
خ) سن الرشد المبكرة- النضج بين الاقران.
د) مرحلة الرشد المتوسطة- توافق البيئة والابداعية.
ذ) مرحلة الرشد المتأخرة- التراجع.
ر) مرحلة الشخيوخة المتقدمة- المساندة الاجتماعية.
مثال بحثي: الهوية الفردية
قدم اريك اريكسون معالجة شاملة لمعنى ووظائف الهوية
الفردية، وذلك من خلال دمج هذا المفهوم في نظرية النمو النفس- اجتماعية في عام
1950 ومن خلال تحليله للهوية الامريكية سنة 1974. وتتعلق نظرته الى الهوية بظهور
التعريفات السابقة، والطموحات المستقبلية، والقضايا الثقافية المعاصرة. وتتمثل
الاعمال الرئيسية التي ناقش من خلالها مسألة الهوية في مقالة بعنوان " مشكلة
هوية الأنا" (1959)، و كتابه الذي جاء بعنوان "الهوية" : (الشباب
والازمات) (1968).
ويكون مراهقو المرحلة المتأخرة منشغلون بأسئلة حول
شخصياتهم وبنفس مقدار انشغال اطفال مرحلة الدراسة المبكرة في اسئلة حول جذورهم
ومنشأهم. وفي جهود لتعريف انفسهم، فان المراهقين يجب ان يأخذوا بالاعتبار الروابط
التي بنيت بينهم وبين الآخرين في السابق اضافة الى الاتجاه الذي يأملون سيرة او
اتخاذه مستقبلا.
واضافة الى ذلك، فان الهوية تخدم كنقطة انطلاق، تزود
الشخص بالخبرة الضرورية لاستمرارية العلاقات الاجتماعية. وترتبط انجازات الهوية
بحس داخلي بتميز الشخص الفرد والاتجاه المصاحب نحو المجتمع حول الاختيار الذي قرره
الشخص.
ومن اهم الاطر المفاهيمية الشائعة لتقييم الهوية ما عرضة
James and Marcia, 1980; Waterman, 1982. وباستخدام المفاهيم التي حددها اريكسون، فقد قامت Marcia بتقييم وضع الهوية بناء على اثنين من المعايير:
الازمة والالتزام. وتتكون الازمة من فترة تجربة الادوار واتخاذ القرارات من بين
عدة بدائل وخيارات.
اما الالتزام فيتكون من اظهار المشاركة الشخصية في
نشاطات وعلاقات تعكس معتقدات الشخص وقيمه في مجالات الخيار الوظيفي، والدين،
والفكر الاجتماعي، والروابط الشخصية. وبناء على وجهة نظر مارسيا، فان وضع تطوير
هوية الشخص يقيّم اما كانجاز في تحقيق واكتساب الهوية، او الانغلاق، او تشوش
الهوية.
اما الاشخاص الذين صنفوا على انهم انجزوا الهوية فهم
الذين تعرضوا للأزمات واتخذوا التزامات وظيفية وآيديولوجية. واما الذين لم يتخذوا
مثل هذه الالتزامات، فهم يواجهون صعوبات في حل المشكلات، واتخاذ القرارات، ويعانون
من تدني تقدير الذات، وصعوبة في التكيف مع بيئة الدراسة الجامعية.
تطبيق: دور الامل في التكيف وحل المشكلات
اكد اريكسون (1982) ان الحل الايجابي للازمة النفس-
اجتماعية يؤدي الى زيادة الثقة والقدرة على التكيف وتعزيز الامل. كما ان صفات
الانا التكيفية تشكل نظرة الشخص نحو الحياة والتوجه نحو مزيد من الانفتاح على
الخبرات والمعلومات، وزيادة في القدرة على تحديد العديد من المسارات لتحقيق اهداف
الشخص، وزيادة الرغبة في التأكيد على الذات والتعبير عن رغبات ووجهات نظر الشخص،
وطريقة ايجابية لتشكيل العلاقات الوثيقة. وفي ظل مواجهة الصعوبات والاحداث
المزعجة، فان هذه الصفات تسهم في زيادة مستويات الفعالية والمعيشة Peterson and Seligman, 2003. وكأول صفات الانا التكيفية، فان الامل يسيطر على قصة الحياة
كاملة، ويؤدي الى تحقيق الافضل للشخص في المستقبل.
كما ان التفاؤل يربط القدرة على التفكير من اجل تحقيق
الاهداف، مع ايمان الشخص بقدرته على الانتقال والسير قدما لتحقيق الهدف Snyder, Cheavens and Sympson, 1997. كما ان جذور التفاؤل تكمن في ادراك الطفل لذاته.
وفي كل مرة يقوم خلالها الطفل باتخاذ اجراء لتحقيق نتيجة
ما، فان شعوره بالامل يتزايد. ويعمل الآباء ومقدمو الرعاية على تعزيز التفاؤل لدى
الطفل عندما يتغلب على الصعوبات والمعوقات التي تواجهه.
وتشير البحوث التي اجريت على البالغين بأن الناس
المتفائلون، يمتلكون نظرة افضل نحو المستقبل وتحقيق الانجازات اكثر من الاشخاص
الذين يمتلكون نظرة تشاؤمية Dweck, 1982; Norem, Cantor, 1988.
ويستطيع الاشخاص الذين يمتلكون مستويات عليا من التفاؤل
من تحقيق عدد اكبر من الاهداف في حياتهم ويختارون مهام اكثر صعوبة. ويكون التفاؤل
مصحوبا بزيادة الاهداف، وزيادة الثقة بالقدرة على تحقيق الاهداف، وزيادة المثابرة
والاصرار على مواجهة الصعوبات من اجل تحقيق الهدف، مما يؤدي الى ارتفاع مستويات
الاداء Snydr, 2002.
ويلعب الامل دورا هاما في عملية العلاج، واستكشاف طرق
جديدة للتعامل مع المستقبل Egan, 2002. ويعمل
المرشدون على تعزيز الامل عن طريق مساعدة المسترشدين على تحديد احتمالات جديدة
لمستقبلهم، وتوضيح اهدافهم، ووضع استراتيجيات او مسارات لتحقيق تلك الاهداف،
وزيادة حسهم بالقدرة على تطبيق تلك الاستراتيجيات.
وعن طريق نمذجة الثقة والاطمئنان، يستطيع المرشد خلق
بيئة تمكن المسترشد من البدء بتجربة التفاؤل حول المستقبل Snyder and McDermott, 1999.
كيف تجيب النظرية النفس- اجتماعية على
الاسئلة الرئيسية التي يتوقع من نظرية النمو البشري بحثها؟
تحاول النظرية النفس- اجتماعية تفسير النمو البشري طوال
الحياة- وخاصة انماط التغير في نمو الانا، والتي تنعكس في فهم الذات، وتشكيل الهوية،
والعلاقات الاجتماعية، والنظرة العالمية. وتعرف النظرية النمو البشري على انه منتج
لتفاعل الفرد لتحقيق احتياجات بيولوجية ونفسية، مع التوقعات المجتمعية.
وتتنبأ النظرية النفس- اجتماعية بتسلسل منظم لتغير نمو
الانا والعلاقات الاجتماعية منذ سن الطفولة وحتى مرحلة متقدمة من الحياة. وفي كل
مرحلة، تظهر قدرات واستراتيجيات تكيف جديدة للمشاركة في العلاقات الاجتماعية
ولتلبية متطلبات العالم الاجتماعية دائمة التغير والتعقيد.
ويخلق المعنى بسبب الجهود التي تبذل من اجل تفسير ودمج
الخبرات البيولوجية، والنفسية، والاجتماعية. ويركز هذا المعنى على البحث عن
الهوية. ويعمل الناس جاهدون على تحديد وتعريف انفسهم – وتحقيق الهوية – من خلال
الحس بالارتباط مع اناس ومجموعات من خلال المشاعر والتميز عن الآخرين.
وتبحث النظرية النفس- اجتماعية في قضايا الاستمرارية
والتغير طوال الحياة. وفي كل مرحلة، فان حل الازمة النفس- اجتماعية لكل مرحلة يؤدي
الى تكيف في قدرات الانا او التغلب على الامراض. وفي كل مرحلة من مراحل الحياة،
فان قدرات الشخص تعزز من خلال العلاقات الاجتماعية والاستمرار فيها، مما يؤدي الى
اكتساب قدرات جديدة ضمن سياق تغير التوقعات الاجتماعية.
ونتيجة لذلك، فمن المتوقع ان يكتسب الشخص طرقا جديدة
لفهم العلاقة بين الذات والآخرين، وتظهر حقائق جديدة حول الهوية طوال الحياة.
وفيما يلي فرضيات قد تظهر من خلال النظرية:
1- تظهر الازمة الطبيعية في كل مرحلة من مراحل النمو، ويتم
اجراء عمليات رئيسية من اجل حل هذه الازمة. ويؤدي حل الازمة في كل مرحلة الى تحديد
مصادر التكيف لدى الشخص، وحيث يسهم الحل الايجابي في تعزيز الانا، ويسهم الحل
السلبي في الاصابة بالامراض.
2- تكون كل مرحلة نمو مصحوبة بأزمات نفس- اجتماعية معينة.
3- يكون كل شخص جزء من شبكة علاقات تنقل توقعات ومتطلبات
المجتمع. وتؤدي العلاقات الى التشجيع من اجل مواجهة التحديات.
4- يصل النمو الى اقصى حدود اذا استطاع الشخص خلق سلوكيات
وعلاقات جديدة نتيجة لاكتساب المهارات والحل الناجح للازمات خلال كل مرحلة من
مراحل الحياة.
ومن وجهة نظر مجتمعية، فان النمو المبكر للانا لدى
الطفل، والحل الايجابي للازمات النفس- اجتماعية في سن الطفولة المبكرة، وسن
الرضاعة، والطفولة المبكرة والمتوسطة يعتمد بشكل كبير على نضج الانا ورعاية مقدم
الرعاية. وضمن هذا السياق، فان الظروف الاجتماعية التي تحسن المعيشة، او التي تضعف
المساندة الاجتماعية المقدمة من مقدمي الرعاية، يمكن ان تشكل عوامل خطر على
الاطفال. كما يعتبر الفقر من المعوقات الرئيسية التي تحول دون تحقيق اقصى نمو.
نقد النظرية النفس اجتماعية
نقاط القوة
ان النظرية النفس – اجتماعية توفر سياقا واسعا مدمجا
يوضح فترات النمو طوال الحياة Hopkins, 1995; Kiston, 1994. كما ان النظرية تربط عملية نمو الطفل مع مراحل سن الرشد، والنمو
الفردي مع طبيعة الثقافة والمجتمع، والماضي الشخصي والتاريخي مع الماضي الفردي
والمجتمعي مستقبلا. ورغم ان الكثير من الباحثين يتفقون بأن مثل هذه النظرة العامة
ضرورية، الا ان عددا قليلا من اصحاب النظريات قد حاول بحث التداخل الديناميكي بين
نمو الفرد والمجتمع Miller, 2002.
واضافة الى ذلك، فان تركيز النظرية النفس – اجتماعية على
نمو الانا وعمليات الانا يوفر وجهة نظر متعمقة حول توجهات النمو الصحي طوال
الحياة. وتوفر النظرية اطارا لمتابعة الاجراءات التي من خلالها يمكن دمج مفهوم
الذات، وتقدير الذات، وحدود الانا داخل الشخص الايجابي، والقادر على التكيف
والمشارك اجتماعيا.
وعلاوة على ذلك، فان التركيز على العناصر الطبيعية،
والتفاؤلية والابداعية للتكيف يؤدي الى النمو بما يتجاوز النظرية النفس- جنسية او
النظرة الميكانيكية للنظرية السلوكية. ومن ناحية اخرى، فان النظرية تأخذ الفروقات
الفردية في النمو بعين الاعتبار، التفكير بشأن الفرقات في تطور الانا في كل مرحلة،
علاوة على ان هذه النظرية توفر وسيلة جيدة لتطبيق العلاج النفسي والارشاد بشكل
مناسب.
نقاط الضعف
من احدى نقاط ضعف النظرية النفس – اجتماعية ان تفسير
آليات حل الازمات والانتقال من مرحلة الى اخرى لم تطور بشكل جيد. كما ان النظرية
لا توفر آلية عالمية لحل الازمات، ولم تقدم صورة تفصيلية عن انواع الخبرات اللازمة
لكل مرحلة اذا ما اريد للشخص ان يتكيف بشكل ناجح مع الازمة في تلك المرحلة.
كما ان عدد مراحل الحياة يعتبر محدود بشكل كبير من
النواحي الثقافية. ومثال ذلك، ففي بعض المجتمعات، فان الانتقال من مرحلة الطفولة
الى سن الرشد يكون سريعا، ويترك قليلا من الوقت او التوقعات لاستكشاف الهوية. وفي
المجتمعات التقليدية، فان الآباء يختارون الزوج لابنهم او ابنتهم، وهناك القليل من
الخيارات الوظيفية، ويتم توجيه الشخص نحو وظيفة ما في سن مبكرة.
وبناء عليه، فان الشخص في هذه الحالة يكتسب القليل من
الخبرات حول العمليات النفس – اجتماعية خلال سن المراهقة. وبالمقابل، ففي مجتمعنا
المتقدم تقنيات، يبدو ان المراهقة تمتد لفترة اطول حيث يتأخر سن الزواج وتزداد
تعقيدات الاستعداد للدخول في سوق العمل.
وفي مرحلة متأخرة من العمر، فان الوضع الصحي، والظروف
المعيشية والثقافة تتفاعل جميعا لانتاج مزيد من التفاوت في قصص الحياة. وهناك
تمييز بين كبير السن الشاب، وبين كبير السن العجوز. وتعتمد هذه التمييزات احيانا
على الوضع الصحي وقدرة الشخص على تدبر مهام الحياة اليويمة. وهناك بحوث اخرى تميز
بناء على العمر الزمني.
واخيرا، فان النظرية النفس – اجتماعية والبحوث ذات الصلة
قد تعرضت للنقد بسبب التركيز على القدرة على وضع الخطط واتخاذ الاجراءات-
والالتزام والاهتمام بمعيشة الآخرين Bar- Yam Hassan, 1987.
كما ان محاور الاستقلالية، والمبادرة، والصناعة، والهوية
الشخصية تركز جميعا على العمليات الفردية. واكد النقاد بأن نمو الانا، والانفصال
عن الاسرة، والاستقلالية، والتوجه الذاتي لتحقيق الهدف قد تعادلت مع النضج النفسي،
وان هناك قليل اهتمام اولي لتطوير الروابط الشخصية والاجتماعية.
تم بحمد الله
Hi,
ردحذفHow can I cite this article as a reference please?